الثلاثاء، ١٩ أغسطس ٢٠٠٨

أمسية المشاهير Virtual










جمال الشاعر: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. يقول الشاعر : أهل الهوى يا ليل فاتوا مضاجعهم واتجمعوا يا ليل صحبة وانا معهم .. ويسعدني أن اكون معهم الان في هذه الجلسة من جلسات المشاهير . لن أضيع الوقت في مقدمات تقليدية كيما نستمتع مع شعرائنا الكبار الموجودين معنا . ونبدأ بقصيدة لشاعرنا الكبير نزار قباني تفضل يا استاذنا .
نزار : قبل ان ألقي قصيدتي أود أن اتساءل أين النساء في جلستكم هذه ؟ ان جلسة بدون نساء لهي جلسة بلا روح . أيها الرجال اني اكره شوفينيتكم واحتقر تعصبكم الذكوري الأعمى ..و
يقاطعه الشاعر : يبدو أنك لم تلحظ سيدي وجود بعض الأديبات ..
يقاطع نزار مقاطعته : ما زلت ألح في سؤالي أين النسااء ؟ النساء ألا تعرفون النساء – ويشير بكفيه بحركات متماوجة ذات مغزى – النساء ...
حوار جانبي:
أمل دنقل : لا يستطيع العيش بدون نساء ، وهم يحبونه بشدة .. محظوظ
احمد مطر: لقد تزوجت القضية .. والقضية أجمل وأوفى امرأة يمكنك أن تعاشرها
نجم : يعني انا اللي مطلق القضية . بس كتبت في حب النساء وكتبت عن عزة ، الظاهر انت اللي لا مؤاخذه ..
مطر بغضب : تقصد ايه ؟
سمير سرحان يكتم ضحكه ويدعي الجدية : يقصد انك ممكن تكون عدو للمرأة
مطر : اه طيب
نزا ر مازال يتحدث عن النساء
الشاعر: من هوامشي على دفتر الجلسة أنه لا وقت لدينا كي نضيعه فلتبدأ سيدي .
نزار: قصيدة جديدة بعنوان " اعتذار "

أعتذر اليك فعلمني ألا أعتذر
علمني ألا أخطئ
امنحني براءة الأطفال
انزع عني قمصة الأطفال
وغضبة العيال
وعناد الرجال
سيدي
أيا رجلا يساوي ملايين الرجال
يا من يدير الأرض كحلقة مفاتيحة الذهبية
ويضئ الشمس من ولاعته الغازية
ويتناثر قشر شعره مجموعات نجمية
سيدي
انني امرأة عادية
تخطئ
وتعتذر
وتخطئ
فتعتذر
وتعود تخطئ
فتعتذر
فهل مللت اعتذاراتي؟
أما أنا
سيدي
فلم أمل تسامحك
وساءلت نفسي
بعد عشرات الاعتذاراات
والاعتذارات
أتراني كنت أخطئ
كيما أعتذر ؟
.......................
تصفيق غير حاد
هجوم عنيف على القصيدة وصاحبها من النساء الموجودات بالجلسة
القصيدة تقليدية جداا فما زال الشاعر يعزف على نفس الأوتار القديمة بنفس العبارات المستهلكة
وقد تأثر بنزار في بداية العمل في رسالة من تحت الماء .
تطل نظرات الشماتة من أعين الشعراء الرجال بالجلسة .
يقوم نزار تاركا الجلسة بتأفف
الشاعر: في الحقيقة شاعرنا الكبير مشغول جدا ولذا فقد اعتذر واستأذن في الرحيل.
دنقل: بالتأكيد لديه موعد غرامي
نجم: بطل حقد بقه وانت عامل زي مصاصة القصب كده
الشاعر : والان مع شاعر من طراز خاص شاعر يجبرك على احترامه واحترام شجاعته ، لكننا نؤكد ان ما يقوله يعبر عن وجهة نظره الشخصية التي نحترمها بالرغم من اننا قد نختلف معها . مع قصيدة للشاعر الثائر أحمد مطر
مطر: بداية غير مشجعة لماذا تخافون ؟ اه زمان القهر علمكم الجبن . اذا كان كذلك ايرضيك ان اقول قصيدة في عشق النظام
الأبنودي : احنا مش بنخاف يا استاذ احنا ياما اتسجنا ولا همنا
نجم يضحك بسخرية
الشاعر : اتفضل يا استاذ والعمر واحد والرب واحد
مطر: المخلوع
المخلوع
أحضرت السلطان المخلوع
وذهبت الى صانع النعال
رجوته في خشوع
أن يفصل لي منه حذاء
فقال في رثاء
اكرموا عزيز قوم ذل
فهل
راجعت نفسك سيدي المبجل
بعد ثوان
قلت اذن
خذ هذا النعل
يا حيوان
واصنع لي منه
سلطان
...................................
تصفيق حاد مع تنهيدة ارتياح
الشاعر : الحمد لله وقعت قلبي
أدونيس: القصيدة مباشرة بفظاظة وساخرة بسخف وتقليدية بقرف
نجم: ايه يا عم هو لازم غموض وحاجات مش مفهومة عشان يعجبك
أدونيس: الشعر الجيد عندي هو ما يدخلك عالما أثيريا خياليا او لحظات شجن صادقة . أما هذا العمل فقد أضحكني لذلك أدخله تحت بند النكتة السياسية وليس الشعر
مطر: ليس وقت تصفية حسابات يا ادو ألن تنسى قصيدتي" عقوبة ابليس" التي أسخر فيها من شعرك العجيب
جابر عصفور: يا جماعة الخلاف في الرأي يجب الا يفسد للود قضية
الشاعر : فضا لهذا الاشتباك الشعري ننتقل الى شعر العامية مع شاعرنا الأصيل عبد الرحمن الأبنودي
الأبنودي: هاحكيلكم حكاية قديمة من ايام ما كنا في السجن ما احنا ياما اتسجنا زماان طبعا المهم ..
سرحان: هو كان مسجون في ايه ؟
مطر: بيقول عشان القضية
نجم: قضية ايه؟ حشيش؟
مطر: يا اخي اشعاره الثورية
سرحان: اه يبقى اكيد عشان أغنيته الحماسية العظيمة " تحت الشجر يا وهيبة ياما كلنا برتقان "
نجم: قلت لي يبقى اكيد صاحب المزرعة ظبطهم وهم بيسرقوا البرتقان من الشجر
الأبنودي: واتعرفت على رفاق كتير في السجن – يعدد في أسمائهم –
الشاعر: القصيدة يا استاذ أبنودي
الأبنودي : تحت السجر يا وهيبة .. عذرا .. لا لا
عفوا يا سادة
..ويا الحجر
ويا الحجر يا كتيبة
ياما قمنا ببطولات
ياما حاربنا
واتحاربنا
ياما قتلنا
واتقتلنا
ياما وياما
وملعونة الحمامة
اللي زوقوها
وخلوها
رمز للسلامة
والاستقامة
وملعونة كل ايد
ممدودة
للعدا
بوردة
مش بارودة
وملعون يا صوت السلام
اللي خارج
من حلوق مهزومة
ومخمومة
وناس متحفلطة
ومتزفلطة
نصهم سماسرة ونخاسين
ونصهم من ده على ده
وتحية للبيادة
ولكل ايد ماسكة الزناد
منتظره ميلاد
الصبح من بطن الليل العفي
وكل ما الطلق زاد
نلقى السواد
بيموت و يختفي
والنور يهل
زي عقد الفل
في جيد البلاد
بلادي الحبيبة
يا كتيبة
ويا الحجر
ياما قلنا الفجر مات
لكن الفجر
يا كتيبة
عمره ما مات
الفجر مستني الفرج
مستني حد يمد ايده
يقومه
من رقدته
..........
سرحان: الله يا شاعرنا الله قصيدة عظيمة فيها حس وطني صادق .. اكاد اجزم ان هذه القصيدة هي المقابل العامي لقصيدة دنقل الخالدة " لا تصالح " عشان كده باقترح تسميها " ماتصالحش " او " خاصم "
نجم ينظر له في ذهول
علي سالم: أختلف لو سمحتولي القصيدة فيها لهجة تحريضية غير مبررة وغير مطلوبة في المرحلة الحالية، احنا في مرحلة سلام واعتقد دور الأدب هو الدعوة للأفكار الايجابية زي السلام والتسامح والاخاء مش الحرب والدمار . وانا باعتباري عضو في جماعة السلام الان المصرية ارفض هذه القصيدة.
مطر: اسكت يا خاين يا عميل يا صهيوني . القصيدة رائعة والابنودي بطل ..- ويهتف - أبنودي .. أبنودي
عصفور: يا جماعة المفروض الخلاف في الايدلوجية لا يفسد للود قضية بيننا
دنقل: هل أصبحت الخيانة وجهة نظر ؟؟!!
نجم: يا جماعة الجنازة حارة .....
الشاعر: الجلسة ساخنة كما ترون ومن المفترض ان يكون هذا من دواعي سروري لكننا لسنا على قناة الجزيرة
لذا ..
مطر: لحظة واحدة يا استاذ نحن نأسف لوجود عملاء بيننا لذا نطالب باخراج هذا الحشرة الصهيوني من الجلسة
شاعرة: في الحقيقة انا مش مهتمة قوي بالسياسة الخارجية انا مهتمة بقضايا المرأة اكتر لكن مش عارفه حاسه انكم متحاملين على الاستاذ على عشان كده انا بأيده في كلامه وحاسه ان معاه حق
الشاعر: لو سمحتم يا سادة انهاءا لهذا الجدل ننتقل الى قصيدة شاعرنا الجميل أمل دنقل
دنقل: سوداوية
سوداوية
ورفرفت في سماء حجرتي
فراشة سوداء
وحيدة
في حزنها
كبرياء
السواد الطائر
دغدغ مهجتي
ووسادتي
حضن أمي المفتقد
ألقيت برأسي فيه
ورحلت
بعيدا
بعيدا
وجدت الرفاق
يخونون
يسقطون
يموتون
فعدت
وسحبت
ملاءتي السوداء
فوقي
ونمت
................
نجم: الله .. ربنا يزيدك كآبة يا استاذ حرام عليك .. انا ادعو امل الى التغييرو الخروج من الحجرة ومن هذا الجو الكئيب
دنقل: بس الدكاتره محرجين علي أخرج
نجم: خلاص افتح شباك الاوضه وبص منه يا اخي تشوف واحدة حلوة منظر يسر حاجة تفرح كفاية غم مش ناقصين .
أدونيس: يا مغفل هذا شاعر وليس قراجوز
نجم: أنا مغفل يا ابن ال ؟
عصفور: يا جماعة لا تجعلوا الخلاف يفسد للود قضية
مطر: كيف يسمه بالمغفل؟ أدونيس هو البادي وهو المخطئ أم انك توافقه ان نجم مغفل ؟
سرحان : في فن التقويم لمطر العظيم
الشاعر: يا سادة انتم شعراء كبار ماذا تركتم للمغامير ؟ انهاءا للخلاف وكي ينبسط عمنا نجم ننتقل الى قصيدة ساخرة بالعامية
نجم: لمين بيرم ولا فؤاد قاعود ولا ليا؟
الشاعر: لا هذا ولا ذاك المفاجأة ان شاعرنا ليس مصريا لكنه سعودي مع الأمير عبد الرحمن بن مساعد
بن مساعد يضحك
الشاعر : تفضل يا شيخ
مستمر في الضحك
نجم: القصيدة باين عليها ساخرة فعلا
بن مساعد يكتم ضحكه بصعوبه وهو يلقي
السنيورة
في الطريق
قابل سنيورة
غير خط سيره
وتابع الأموره
تدلف في حارة
وراها
تعرج على شارع
معاها
ما اجمل ها الضفيرة
وصدرت عنه تصفيره
ما أجمل ها الذراع العاري
وناداها ولم يبالي
والتفتت في دلال
فجحظت عيناه
واتدلدلت شفتاه
لما اكتشف ان ها الاموره
لم تكن
الا شاب من اياهن
.....
يكمل ضحكه
عصفور: سؤال فقط لشاعرنا هل الأمير اسم أم أنه فعلا أمير
الشاعر: الاستاذ بن مساعد أمير فعلا من العائلة المالكة
عصفور: الله – ويضحك – ههههههههههه قصيدة ساخرة جداا جميلة جداااا الله الله
سرحان : فعلا هههههههههه القصيدة مضحكة جدااا
نجم: بغض النظر عن رايكم القصيدة حلوة فعلا وعجبتني ونفسي أسأل الأخ هل حد من عيلته مصري
بن مساعد – بفخر زائد – أنا من أب وأم سعودين مئة في المئة .
نجم: مش قوي كده يا عم طب من أم سعودية أكيد لكن جالك منين التأكيد ان ابوك سعودي ؟
بن مساعد بانفعال: تقصد ايش يا زلمه ؟؟
عصفور: مايقصدش حاجة سيبك منه ده حاقد خلينا في القصيدة الرائعة دي فتح جديد في الشعر العامي
بن مساعد : شكرا شكرا
نجم: بس العامية لغة البسطا والغلابة مش لغة الأمرا
سرحان: انت فاكر العامية حكر على الرعاع والغوغاء .. لا مؤاخذة يا ابنودي
نجم: بغض النظر عن قلة أدبك انا اقصد انها دايما ضمير الشعب وبتعبر عن احلام والام الناس الشقيانين .ازاي الامير بزرميط السعودي ده هايحس بالام الغلابة
بن مساعد: كتبت والله كتير عنهم انت لم تقرأ
عصفور: هو انت لازم تكون بتحب عشان تكتب عن الحب طبعا لأ كذلك الفقر يا فقري
الشاعر: الوقت يمر بسرعة ومازال هناك أعمال . والان مع شاعرنا ذو الابتسامة البشوشة فاروق شوشة
شوشة- بطريقته التقليدية البطيئة – القصيدة معي في جيب سترتي الداخلي لحظة واحدة من فضلكم حتى اخرجها لكم .- يخرجها ببطء – يبدو أن الورقة قد تكرمشت قليلا قليلا فلتعذروني ان ضاعت مني بعض الحروف . لحظة واحدة كي ارتدي نظارتي الطبية التي أرتديها منذ زمن طويل طويل
الشاعر وقد نفد صبه : تفضل يا استاذ ليس هناك وقت
شوشة: للمصادفة القصيدة عن الوقت ايضا
الشاعر: تفضل يا استاذ ما اسم القصيدة
شوشة: انتظار
نجم: تاني ؟ أنا شوية وهاقل ادبي
شوشة: قصيدة بعنوان " انتظار "
انتظار
مازال هناك
وقت
لانتظار
الوقت
أنظر في ساعتي
أسألهم
هل مر الوقت
من هنا
فيتعجبون
ويتغامزون
ويتضاحكون
والوقت يمر
وانا مازلت أنتظر
اه يا عمري المسافر
في الزمن الاخر
اه يا عمري الضائع
بين فروق التوقيت
والساعة الخرفة
احتضن فيها عقرب الثواني
عقرب الساعات
ساعات
وذابت كل الفروق الطبقية
وتوقف الزمن يعزف العمر
أغنية
سرمدية
.............
نجم: ياه الحمد لله .. حمدلله ع السلامة يا استاذ
شوشة: سلمك الله ها ما رؤيكم في قصيدتي الجديدة التي..
الشاعر : نستمع بسرعة للتعليقات .. أستاذ عصفور استاذ عصفور
عصفور: ها هو خلص ؟ - يفرك عينيه – القصيدة اعتبرها حداثية البناء والتكوين وهو اتجاه نحمده للشاعر المواكب للتيارات الادبية الحديثة
محمود أمين العالم: لا أنا أراها ما بعد حداثية وليس حداثية
أدونيس: أختلف بل هي ما قبل حداثية أي تقليدية كلاسيكية واقعية
عصفور: بل هي حداثية وأتحدى
العالم: يبدو أنك لم تقرأ كتابي عن الحداثة اقراه ثم كلمني
نجم: ع الفودافون برضه؟
أدونيس : أعتقد أن مفهوم الحداثة مشتت في أذهانكم فليعرف أحدكم الحداثة .
صمت
شوشة: انا أستطيع أن ..
الشاعر: أقبل يديك سيدي ليس لدينا وقت لتضييع الوقت .. ننتقل بسرعة لعمل فاكهة الجلسة الشاعر الثائر الضاحك الباكي أحمد فؤاد نجم الفاجومي
نجم: اسمعوا وعوا عمكوا نجم هايقول .. قصيدة اسمها " مصر يامه " كتبتها بعد الأبنودي ما خرج م السجن
سرحان: ههههههه
نجم:
مصر يامه
لسه بقول مصر يامه
يا بهية
قالولي
بهية؟
ياي
وبصولي
بامتعاض
وقالولي
ده اسم فيري باد
مصر اتطورت يا فودة
عاوزين اسم ع الموضة
فودة؟ ماشي فودة
طب ايه رأيكم
يا حلوين
في اسم نرمين ؟
جميل قول واحنا سامعين
مصر يامه يا نرمين
يا ام بادي وبنطلون
الزمن شاب وانتي شابة
روشة طحن
وصاروخية
تسهري للفجر
عادي
في الزمالك
والمعادي
ترقصي في الديسكو
حبة
تشربي الشيشة بمحبة
يطلع الصبح نلاقيكي
بوي فريندك بين ايديكي
عاملين دماغ ومونونين
انتوا الاتنين
يا نرميييين
مصر يامه يا نرمين
لو "هجرتك"
" أروح لمين" ؟
.....................
الشاعر: بهذا ننهي ...
لا يكمل اذ يشتبك مطر مع أدونيس
وعصفور مع العالم
والأبنودي مع نجم
ودنقل يبكي: يا ليتني رحلت مع نزار ابن المحظوظة .....
....................................




ط





















الثلاثاء، ٥ أغسطس ٢٠٠٨

تعليق على المجموعة

خلاف التعليقات الشفاهية الكثيرة التي حصلت عليها كان هناك تعليقان مكتوبان - للأسف في كشاكيل - من المغمور العزيز الشاعر عادل محمد والذي ألقاه في حفل التوقيع، وكذلك تعليق الشاعر الفيلسوف كريم الصياد في يوم مناقشة المجموعة بالجلسة الثقافية . وقد كانا عبارة عن دراستين نقديتين شاملتين وهامتين جدا أتمنى الحصول عليهما كما وعد صاحباهما.. لذا فتلك تعد أول دراسة مكتوبة - ديجيتال - عن مجموعتي فشكرا لصاحبها الصديق المغمور القاص والسيناريست عارف فكري..
...

"يسمع صوت سباب وعراك ويشعر بمن يجرى حوله. يتخبط حتى يُفاجأ بضربة تفصل ركبة رجله السليمة فيهوي. يزحف مصرًّا على الوصول. يمر من بين الأقدام منثنيًا كالثعبان.. ثعبان بلا سم!!
يعلو فجأة صوت الميكروفونات وضجيج السيارات فتصم أذناه، ويفقد آخر خيط يربطه بالعالم. تدوسه أقدام وإطارات سيارات.. يصبح.......!!
لكنه غير يائس. ينقبض وينبسط محاولاً التقدم، يتحرك في مداره البيضاوي ببطء والأمل هو آخر ما يملك. وهو مستمر في الانقباض والانبساط: بالتأكيد سأصل!!!!"
من قصة " أميبا" / المجموعة القصصية :موت أداة الاستثناء

***
يمكن تلخيص المجموعة القصصية الأولى للقاصّ الشاب " طارق رمضان " فى أنها أزمة الفرد فى الهرب من شىء ما ، والبحث عن شىء ما ، وينتابك الاحساس القاهر أن الكاتب اقتطع تلك القصص من ذاته هو ، وصاغها من خلال نفثة إبداعية قد تتفق معها أو تختلف ، لكنها ستلمس وتراً حساساً بداخلك .
***
فى قصة " اللا وُجــوديّ " نتعامل مع أزمة ذات طراز خاص :شخص يتأرجح بين منطقتى الوجود والعدم .. إنهم يعاملونه كأنه لم يكن .. صفر فى الحياة لا قيمة له كأنه العدم ، ومع استرساله – من خلال ضمير الراوى- نقابله فى عدة محطات حياتية مختلفة : عندما كان صغيراً حيث يقول
" لم أسأل أحدًا.. فمن يهتم؟
أنا لست موجودًا.. هواء.. بداخلي فراغ كبير..
لا أجهزة، لا أعضاء، لا شيء!
المهم أني اعتدت هذا من طول المعايشة!"
فهو لا يشعر بالجوع كما يشعر أخوته ، ويتكالبون على طبق الفول، وحتى لما كبر قليلاً كان السائق يصرّ على أخذ أجرة نفر كامل ، برغم أنه غير موجود!
بعد هذه النبرة العدمية الصارمة نشعر بتشككه .. لقد كبر، واشتغل أخوته ما عدا هو .. فهل نسيه والده ؟ ربما! و"ربما " هذه تقابلنا أكثر من مرة فيما بعد ، لتأخذنا فى مرحلة تأرجح بين الوجود والعدم !
بين وجوده فى قبضه لأول مرتب .. فى تلك المشاعر الأولى لبنت الجيران !
ويظل فى تساؤلاته الحارة تلك، حتى تنتهى القصة فى ميكروباص ، حيث تغتصب فتاة أمامه ، وعندما يتدخل ويقتل يدرك أنه موجود حقاً ! أقصد أنه كان موجوداً !
الغريب أن القصة رويت بضمير البطل الفعلى ، وبرغم موته فندرك أنه ما زال ينبئنا عن تيقنه بأنه كان موجوداً فى الحياة ، وبرغم أننى كنت أحب أن تكون القصة من سارد كلّى المعرفة ، حتى تكون النهاية منطقية ، فهذا لا ينفى أن هذا أضفى على الحدث جوّاً ميتافيزيقياً مميزاً .
ضمير الرواى – على لسان البطل – يتكرر أكثر من مرة ،ويبدو تكنيكاً محبباً للقاصّ، فمن خلاله يستطيع التعبير عن المشاعر والأحاسيس بتدفق .
***
الأمر اختلف كثيراً فى قصة "أميبا" برغم الطابع الكابوسى الذى يظللها، والذى يذكرنا بأعمال "كافكا" الرهيبة .
فنحن الآن مع بطل من طراز خاص وفريد .. فهو يصحو فى ذلك اليوم الموعود متأهباً لموعدٍ هام .. هل سيقابل حبيبته مثلاً ؟ لا نعرف .. المهم أنه –فى طريقه – لموعده الغامض- يواجه الكثير من الكوارث التى تجعله يفقد ذراعيه وساقيه وسمعه وبصره ، وسط مدينة قاسية تمتلىء بشرطة ظالمة ، وأبنية خرسانية لا ترحم ( الفراغ :هاجس المؤلف الأول!) وبرغم هذا فهو يصرّ على الوصول للمكان المحدد فى الموعد المحدد ، حتى لو تحول لأميبا بشرية عملاقة ملوثة بالدم، تتحرك وسط الحشود!
ما زال يوجد الأمل حتى لو تحطم كل شىء !
***
فى قصة " العرايا " نحن مع شخص يفاجأ بأن الجميع قد صاروا عرايا!
تلك الفرضية المخيفة ، والتى تبعث التقزز والنشوة فى ذات الوقت يعالجها الكاتب بمهارة ، حيث يغدو البطل هو الوحيد الذى يرتدى ثياباً ، ومن ثمّ يصير نشازاً صار العرىّ فيه هو القاعدة!
" ركبت الأتوبيس.. كل من فيه عرايا حتى السائق! أخيرًا وصلت. تنبهت إلى أن نصفي العلوي عارٍ. أحسست بحرج شديد لكني حزمت أمري ودخلت غير عابئ. شعرت أن نظرات كل من في الفندق الكبير تصوَّب ناحيتي، أحسها كطلقات بندقية تخترق جسدي العاري!"
نعرف أن الأشياء المستترة تفقد بريقها وتوهجها عندما تنكشف، وبالتالى يهرب البطل من الجموع العارية التى تطلب أن يتعرّى !
" بعد فترة اعتدت المنظر فلم يعد مثيرًا لي. وبينما أنا كذلك وجدتها.. إنها أجمل نزيلة في الفندق تلك التي خفق لها قلبي. لكن ما الذي تفعله في صالة الديسكو –وا أسفاه- إنها أيضاً مثلهم. كل ما كنت أتطلع لرؤيته منها أصبح عاديًّا!"
هل هى أزمة الشرفاء وسط مجتمع فاسد ، والأنقياء وسط الملوثين؟
" كل هذا وأنا مستمر في الجري.. متلاحق الأنفاس.. أتشبث بما تبقى من ملابسي!"
***
فى قصة "هم " نلاحظ الطابع التآمرى الواضح ، فى شخص يتمتع – أو هو يظن هذا – أن من حوله يتحركون عن طريق خيوط تذهب بهم حيث يشاءون ، ومن قرأوا منكم رواية " 1984" ، سيشعرون بذات النغمة ، وإن كنت قد صدمت بالجلمة الاخيرة التى قالها البطل
" تنتابه فجأة نوبة عصبية فينظر لأعلى: لن أكون أداة. أنا لست لعبة. أتسمعون؟ أنا لست لعبة!!!"
أعتقد أن القصة أزمة كل من يحاول الفكاك من سطوة المجتمع وتقاليده ليكون ذاته
!
***
فى المجموعة ككل :
· قوة فى السرد تميّز القاصّ"طارق رمضان" فى أول أعماله ، وجوّ خاص تضفيه لغته السلسة والممتعة .
· المجموعة تتخللها مناطق ميتافيزيقية شديدة الخصوصية ، تتعانق مع النفس البشرية بشكل يوحى إليك أن من تقرأ عنهم يواجهون مشكلة ذات وتأقلم مع المجتمع ،فهم لا يقدرون على التصالح والتفاهم معه ، وإن تمّ هذا فهو كفيل بتدميرهم بلا رحمة !
· الطابع الكابوسى المرير ،والسخرية اللاذعة الخفيفة فى بعض القصص أعطت تنوعاً للمجموعة ، وقدرة على امتصاصها ، حيث أنها مجموعة ليست بسيطة ، ويعالج المؤلف فيها موضوعات هامة ، مع ترك الحل .. إنه يكتفى بالرصد فقط ، وإن أعطى فيها للأبطال حرية التفاعل ، ومحاولة التغيير.
· رحلة كل شخص منا فى الهرب من شىء يقضّ المضجع ، والبحث عن شىء هام قد يمنحنا السعادة!
عارف فكري
..
ط