الجمعة، ٤ أبريل ٢٠٠٨

تغريبة الحدأة

تغريبة الحدأة

1
- قربه من فمك أكثر.. نعم هكذا.. والان دع مشاعر القرف والخوف جانبا ، إنه مجرد صرصار وليس ثعبان .. تخيل أنك تأكل ساندوتش فول..
أصوره من اتجاهات مختلفة بالكاميرا الديجيتال التي اهدتني "هارشا" إياها في عيد ميلادي ولم أسدد أقساطها للان!
يتململ "حمؤه " فأناوله ما اتفقنا عليه من مال ليشتري به الكله والبانجو والويسكي وينام به مع سنية العارجة.
- عندما ينتهي ديكور الخرابة ساتصل بك كي نبدأ التصوير اتفقنا؟ على موبايلات باي..
..
2
أشعر بالذعر عندما يرن جرس الباب فجأة .. من يا ترى ؟ زيزي وهارشا وكل من أعرفهن لديهن مفتاح للشقة .. تراها من تكون؟
- من؟
- أنا؟
- ومن أنا؟
- انا سوسو
- سوسو؟
كانت سوسو هي الفتاة التي أمارس معها فعل الشات منذ شهور ولم أكن قد رأيتها قط.. كان "صامويل" صديقي – القبطي – في المجلة هو من أعطاني إيميلها.. وتواصل حبي العذري لها – على غير عادتي – طوال تلك المدة مستمتعا بوجود علاقة مختلفة في حياتي المادية.. لكنها الان على الباب
تريد أن تتخطى حاجز الزيرو واحد تريد أن تحول النبضات الكهربية لنبضات حية، الغريب أن روحي تنفعل بالنبضات الكهربية أكثر!
أفتح الباب بملل أفاجأ بفتاة منتقبة تدخل دون سلام وتتوجه لغرفة النوم.. عجيب أمركم أيها المصريون، كلما تطرف طرف كلما ازداد اقترابا من الطرف الاخر! بعد دخول الإسلام الوهابي المتطرف إلى مصر قادما من الخليج اختفى المسمط المصري العريق وظهرت مطاعم الكبسة والمندي والمضغوط .. اللعنة على " العمودي" وليذهب "حضر موت" إلى الجحيم !! أدخل غرفة النوم أجدها تغلق الباب وتبدأ في خلع ملابسها دون أن تنبس بكلمة، أستلقي على السرير منتظرا ارتياد جسد جديد.. لكنها عندما تنتهي من خلع كل ملابسها أجد رجلا مكتمل الرجولة عاريا أمامي ، أنتفض مذعورا لكنه يطاردني - أتذكر "خليل" - ولا يهدأ إلا عندما ينال ما جاء من أجله!!

3
أعود لمنزلي بعد تصويري لكنس " كفاية " السيدة على الرئيس ومشاركتهم الدعاء على الحكومة.. والسيدة هو مسجد السيدة زينب بميدان السيدة أحد ميادين القاهرة عاصمة مصر التي تقيع بجوار اسرائيل على الخريطة!
أفتح التلفاز أجد حفل توزيع جوائز مهرجان الأفلام الروائية وقد ذهبت جائزة أفضل ممثلة لحنان ترك وليس غادة عادل التي تستحقها.. والوزير الفنان- الظالم- يسلم الجائزة بابتسامة واسعة.. حماك الله لنا يا سيادة الوزير!

4
كان محمد هو من دفعني للاشتراك في المظاهرات بعد أن ضمني لأحد خلايا تنظيمه وحيد الخلية، لم أكن متحمسا في البداية لكن عندما شاهدت عضوات التنظيم واحتككن بهن في المظاهرات اللذيذة اصبحت أنشط عضو في التنظيم!
رغم أننا كنا معارضين للنظام – الماضي - إلا أننا كنا نخاف جدا من ذكر النظام وسياساته وها أنا الان عندما أتذكر كفاحي السابق أخشى ذكر النظام وسياساته! تبا لذاكرتي الجبانة..

5
هناك شارعان في القاهرة أحبهما كل الحب شارع كلوت بك بوسط البلد وشارع كعابيش بفيصل ذلك الشارع الذي ولدت فيه ورضعت فيه لمدة أربع سنوات كاملة ، لم تكن أمي هي التي ترضعني فقد جف صدرها بعد أن أتت عليه أختي الكبيرة السمينة، لذا فقد كانت جارتنا شلبية هي التي ترضعني وكنت أستلذ ذلك حتى انني لم أكف – رغم محاولات أمي بوضع شطة مرة وصبار مرات أخرى دون جدوى - إلا عندما ضبطتني أمي وانا أرضع و أتحسس صدرها بكفي الصغير! أتذكر الأعمال السفلية التي كنا نقوم بها في الدور السفلي مع بنات سافلات وأضحك.. ذلك الدور السفلي الذي طلبت شوشو -عضوة التنظيم وحبيبة محمد- مني تأجيره مفروش لتجلس فيه براحتها مع محمد حتى تتأكد أنه يحبها لشخصها! لم يكن كبريائي الرجولي هو ما جعلني أرفض ، لكنها لم تكن تعلم أني كنت أريدها ، أريدها بقوة.. آه يا شوشو أيتها المهرة الجموح!

6
كان موعدي مع يوسف حليم في السابعة ، مررت على سعد الموان الذي عقدت معه صفقة لتموين "حمؤة" بالكلة كلما احتاج مقابل مبلغ شهري ، اشتريت الكالون الذي طلبه يوسف ست تكات كما قال.. وجدته على فراش المرض ، ما ان رآني حتى تهلل وجهه وكرش الممرضة السمجة، طلب مني فتح الخزانة بسرعة، امتثلت له وأخرجت الحقيبة السوداء ، احتضنها وقبلها قبل أن يشرع في فتحها. كانت دهشتي عظيمة عندما أخرج منها جوربا حريميا، قبله قبل أن يرفعه أمام عيني : أتعرف صاحبة هذا الجورب؟ أكمل دون انتظار رد .. إنه جورب سامية
- سامية؟
- نعم سامية جمال.. آه.. يقرب الجورب من أنفه ويغيب طويلا في شهيق طويييل. ظننته مات فاقتربت منه متحسسا فانتفض فجأة زافرا في وجهي خليطا من روائح الأدوية مع رائحة الجورب المعطنة... كتمت اشمئزازي وقرفي. وضع الجورب جانبا وأخرج جوربا ثانيا: وهذا يخص تحية كاريوكا، وثالثا: وهذا يخص صباح. ثم اخرج جوربا رجاليا : وهذا يخص.. قاطعته: رشدي أباظة بالتأكيد!
- لا يا سخيف إنه لسعاد حسني كانت قد ارتدته في فيلم للرجال فقط!
شعر بالممرضة تتلصص علينا فطلب اغلاق الباب وأسرع بإخراج جراب بني من الحقيبة
- ما هذا؟ سألت بدهشة
- سونكي
- سونكي؟
- نعم . أخبرتك أن لدي ولدين توأمين ، أكبرهما كان شهيد طيار "شريف" ، عندما كان في الخدمة ونزل أجازة لم تجد أمه سكينا تقطع به الليمونة لتعصرها على الفسيخ الذي يحبه، فما كان منه في الأجازة التالية الا أن أحضر سونكي سلاحه لتستخدمها أمه.. لقد كان بارا بها! وعندما استدعوه للحرب نسي السونكي هنا وذهب للحرب ومات.. بالأمس حلمت بشريف – يتوقف برهة يمسح فيها دموعه - خذ هذا السونكي واحتفظ به
- ولكنني لا أحب الفسيخ!

7
دخلت زيزي مخبئة شيئا وراء ظهرها وطلبت مني إغماض عيني
- ماذا هل ستخلعين ملابسك وتتحرجين مني؟ ضربتني ضربة وقحة آلمتني وأظهرت ما تخبئه : كل عام وانت طيب أيها الشرير!
- عضت شفتي وهي تقبلني ثم دلفت إلى المطبخ. فتحت العلبة فوجدت ديوان شعر لعبد الرحمن الأبنودي سألتها بغباء تقليدي: ما هذا؟
أجابت باستظراف تقليدي: كيلو كباب
- والله كان سيبقى ألذ وأفيد.. ولماذا الأبنودي بالذات؟
- إنه بلدياتي
أفتح الديوان الذي يعيدني إليها..
أتوجه لدرج الشوفينيرة وأخرج ورقة الصحيفة الملوثة ويتأرجح قلبي بين أقصى مشاعر البغض للزميل القذر الذي تسبب في هجري للشعر وبين أقصى مشاعر الحب لها.. كانت هبة زميلة الجامعة التي تعلق قلبي بها وتعاهدنا على الزواج لولا أن القدر كان له رأي آخر. وبينما هي في رحلة إلى طابا التي تحررت لتوها وضمن مراسم الاحتفال وبينما أحدهم منهمك في رفع علم مصر فوق الأرض المحررة بالسلام ويبدو أن السارية لم تكن مثبتة جيدا في الأرض فاختارتها تلك السارية هي تحديدا من بين الجميع لتقع عليها وترديها قتيلة..
- ما هذا أتبكي؟
- لا لكن يبدو أن الديوان مؤثر فعلا!

8
قفزت من النافذة ودخلت شقة "حسام" الذي اعتزل الحياة . وجدته معتكفا بالحمام منهمكا في تنظيف الأرضية وقد ارتدى ملابس حبيبته الفلبينية الراحلة، كان يؤمن بتناسخ الأرواح ويتردد على المركز الثقافي الهندي وعلى حلقات الذكر والزاروالديسكو.. بعد أن اتفق على الزواج مع شغالته الفلبينية سافرت للعمل في السودان ولدغتها ذبابة تسي تسي ولما علمت بمرضها أرسلت له شخصا يدعي أنه زوجها وانها تركته مع أولاده دون مصاريف وسافرت وأنه بزواجه منها سيهدم شمل الأسرة السعيدة.. تركها وبعد فترة اكتشف حقيقة الأمر ومن يومها وهو يستكمل لها حياتها..
حاولت اخراجه من هذه الحالة لكنني فشلت.
عدت لمنزلي وجدت زيزي حاولت الافتراب منها - كعادتي - لكنها تأففت – على غير عادتها -
- ماذا.. سترتدين الحجاب وتعتزلين أنت أيضا؟
- لا سأتزوج.
- نعم؟ ومن سعيد الحظ؟
- لن تصدق.
- بالعكس أنا مستعد لتصديق أي شيء الآن.
- كان في زيارة لمصر وكلفت من قبل الجريدة بتغطية زيارته ورأني ووجدته يرسل في طلبي ويطلب الزواج بي.
- من هذا؟
- سلطان بروناي..
يبدو أنني لم أفقد دهشتي بعد.. من يا روح امك؟
- ألم أقل لك أنك لن تصدقني؟ وأعطتني ظهرها متجهة نحو الباب، وقبل أن تخرج:
- جئت لأشكرك على الفترة التي قضيتها معك فلم يكن معي مال لإيجار شقة وقد وفرت لي سكنا وأنا لا أقبل أن أسكن مجانا لذا كنت أمنحك جسدي كمقابل رمزي .. تفتح الباب وتخرج
- زيزي .. تعود
- ألا تريدين الباقي؟
!

9
جاتني هبة في المنام ليلة أمس وها أنا انفذ ما أملته علي.. إنني في سوق الجمعة أفتش عنها في الوجوه المكدودة حولي وما إن زارني الملل واقترب اليأس حتى وجدتها .. هبة. ناديتها لكنها لم ترد. اقتربت منها مبتسما غير مصدق .. هبة
- هبة من يا روح أمك. كان ردها
لكنها هي وها هي العلامة : هذا الجرح القطعي في جبهتها أحاول تحسسه فتقوم وتصرخ ويتجمع كثير من الناس حولي
- مالك يا بنت يا حسنية
- الحقيني يامه هذا الرجل عاوز يمد يده علي ويتحسسني
- يانهار أسود الحقنا يا معلم
أحمل دون مقاومة إلى احد البيوت الصفيحية البناء و.. يالهم من أناس كيف فعلوها وكيف نجوت؟
بعد شهور في المستشفى أعود لبيتي يائسا من الحياة لا أرد على مكالمات هارشا أو نانا أو ميمي ولا حتى "حمؤه" الذي عرفت أنه خطا أول خطوة على الطريق القويم بترك الويسكي بعد أن خفضت مرتبه، لم يكن من أنيس لي سوى الإستماع إلى رفيق الألم " عدوية " وهو ينوح : سلامتها أم حسن!

10
أثيت علماء الطيور في جامعة نورث كارولينا بعد سنوات من الأبحاث المضنية أن الحدأة لا ترمي كتاكيت، واكتشف الباحثون أنها تلتهم الكتاكيت واحدا تلو الآخر ولا تشبع حتى تنتهي منهم جميعا..
فكرت في الأمر ورأيت الوطن حدأة كبيرة تلتهمنا وعندما أمعنت في التفكير وجدت الحياة هي الحدأة الأكبر التي لا تشبع وتلتهمنا الواحد تلو الاخر
لكنني لن أمكنها من ذلك سأنهي حياتي بيدي وإرادتي، لن أنتظر دوري
أمسكت بالتليفون وحجزت تذكرة في قطار الصعيد!
تمت
مع عدم الاعتذار لمكاوي سعيد
طارق رمضان
21 مارس 2008


هناك تعليق واحد:

أسماء علي يقول...

وجدت نص يختلف جدا أخيرا
يحمل أفكار كثيرة مبعثرة ومترابطة في آن واحد
مواقف وأفكار
سخرية تداري حزن وبعض الملل
سوسو التي ليست سوسو
زيزي التي فضلت المقايضة جدا
حسام وبعض من وتناسخه اللطيف
وحمؤة وكل شخصيات نصك
تحمل سخرية وتورية وحديث يختلف
بدأت النص ومشهد خلف مشهد دون ملل
....
نص متميز كما يبدو لي ..